سَفِلز: الطريق نحو عصر جديد من العقارات الصديقة للبيئة
مع اقتراب انعقاد مؤتمر الأطراف (كوب 28) في دولة الإمارات العربية المتحدة يوم 30 نوفمبر، أطلقت سفلز الشرق الأوسط أحدث تقاريرها المتعلقة بالمشهد الحالي للاستدامة العقارية. ويلقي هذا التقرير نظرة حول سبل استجابة مختلف القطاعات العقارية، بما في ذلك السكنية والمكتبية والصناعية والتجزئة، لتبني معايير لاستدامة المتزايدة، ومقارنة المكانة التي وصلت إليها مدن الشرق الأوسط مع نظيراتها حول العالم.
وتقع الإمارات في بيئة قاحلة تعاني ندرة المياه، حيث يعيش 85% من السكان ويقع أكثر من 90% من البنية التحتية على بعد بضعة كيلومترات من المناطق الساحلية. ويمكن رصد التحديات والفرص في الدولة والمنطقة الأوسع بشكل أكثر وضوحاً عمّا هي عليه حال مناطق أخرى حول العالم.
أقرأ أيضا.. سَفِلز: دبي أبرز الوجهات للمباني السكنية ذات العلامات التجارية
وقال سوابنيل بيلاي، المدير المساعد للأبحاث في سفلز الشرق الأوسط: “تستخدم الحكومة التكنولوجيا الحديثة لمواجهة هذه التحديات، بما في ذلك إنشاء قطاعات اقتصادية جديدة على شكل منتجات وخدمات خضراء، ومن الأمثلة على ذلك مجمع محمد بن راشد آل مكتوم للطاقة الشمسية، وهو أكبر مجمّع على مستوى العالم في موقع واحد يعمل على أساس نموذج المنتج المستقل للطاقة. ويتوقع لهذا المشروع أن يوفّر ما يزيد على 6.5 مليون طن من الانبعاثات الكربونية سنوياً عند اكتماله. ومن المرجح أن تؤدي هذه الجهود إلى الانتقال التدريجي نحو مصادر الطاقة الأنظف، إلى جانب استحداث قطاعات جديدة للنمو الاقتصادي”.
العقارات والاستدامة
يعد القطاع العقاري محركاً مهماً لاقتصاد الإمارات، ومع أنه شهد تقدماً هائلاً خلال السنوات القليلة الماضية، لكنه لا يزال في مرحلة مبكرة من النمو. ويرتبط هذا القطاع على المستوى العالمي بانبعاثات كربونية كبيرة ضمن مراحل التطوير والعمليات التشغيلية اللاحقة.
الشهادات الحالية – المحلية والعالمية
قامت دولة الإمارات العربية المتحدة بتطبيق العديد من السياسات والأطر اعترافاً بأهمية استدامة القطاع العقاري. وتشمل هذه الشهادات نظام استدامة لتقييم المباني بدرجات اللؤلؤ في أبوظبي، ونظام السعفات للمباني الخضراء في دبي، وبرامج شهادات المباني الخضراء الدولية مثل “ليد”، وهو إطار تقييم للمباني الخضراء الصحية والموفرة للطاقة والتكاليف المالية، كدلالة على امتثال الدولة لمعايير الاستدامة العالمية وتعزيز الاقتصاد الأخضر، إلى جانب دعم النمو المستدام على المدى الطويل.
وإلى جانب نظام “ليد”، حققت برامج الاعتماد والتقييم الأخرى اعترافاً وانتشاراً على نطاق واسع، بما في ذلك النظام الوطني الأسترالي للتصنيف البيئي للمباني (NABERS)، ومنهجية التقييم البيئي لمؤسسة أبحاث البناء في بريطانيا BREEAM.
التحديات والفرص في مختلف القطاعات العقارية
العقارات المكتبية
تستحوذ المباني المكتبية المعتمدة من “ليد” في دبي حالياً على ما نسبته 22% فقط من إجمالي العقارات المندرجة تحت هذه الفئة، الأمر الذي يظهر ندرة المباني المكتبية المعتمدة الصديقة البيئة. ويسلط هذا الأمر الضوء أيضاً على نوع آخر من التحديات للسوق، حيث تعتمد المنطقة إلى حد كبير على الشهادات الدولية رغم التحديات البيئية الفريدة التي تواجهها المنطقة.
وتقول باولا والش، مديرة شؤون خدمات المعاملات في سفلز الشرق الأوسط: “توجد نسبة كبيرة من المباني المعتمدة الصديقة للبيئة في الدولة داخل المناطق المخصصة للمكاتب، مثل مركز دبي المالي العالمي، وحي دبي للتصميم، ومدينة إكسبو في دبي، وسوق أبو ظبي العالمي في أبوظبي. وسجّلت هذه الأصول زيادة كبيرة في مستويات الإشغال خلال السنوات القليلة الماضية، مع تحقيق زيادة سنوية مضاعفة في قيم الإيجارات خلال العام الجاري 2023، حيث تفضل الشركات في المنطقة العمل في مشاريع من الدرجة الأولى عبر هذه المناطق. ومع أن الشهادات الخضراء لمثل هذه المباني لم تكن العامل الحاسم الرئيسي في استئجار المساحات، نلاحظ في الوقت ذاته زيادة طفيفة في الطلبات من جانب الشركات العالمية والمحلية على تلك العقارات التي تحمل شهادات مثل “ليد” أو “ويل” أو كلاهما معاً، علماً أن نظام شهادات “ويل” يركز على صحة السكان وسلامتهم ورفاهيتهم”.
العقارات السكنية
كما هي الحال في الأسواق الأخرى بما في ذلك المملكة المتحدة، أصبحت الاستدامة تتبوأ مكانة مرموقة على أجندات عدد متزايد من مطوري العقارات السكنية في المنطقة.
وقالت الدكتورة كات مارتنديل، رئيسة أبحاث المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة ومديرة “سفلز إيرث”: “رغم اختلاف الهندسة المعمارية وعمليات البناء للعقارات السكنية عن تلك الموجودة في الإمارات، فإن التحدي الذي يواجه مستأجري العديد من المنازل في المملكة المتحدة لا يتمثل فقط في المحافظة على الدفء خلال فصل الشتاء، ولكنهم يحتاجون أيضاً إلى اعتماد تدابير لمنع ارتفاع درجة الحرارة داخل منازلهم خلال أشهر الصيف”.
وتوجد مشاريع جديدة قيد التطوير حالياً في المنطقة، بما في ذلك الشارقة وأبوظبي وسلطنة عمان، تعتمد أساليب البناء الحديثة، مع التركيز على مصادر الطاقة المستدامة، وإعادة تدوير المياه، وتجميع مياه الأمطار داخل المجمعات السكنية، إضافة إلى تقديم المزارع الحضرية كوسيلة لدعم إنتاج الغذاء وخفض انبعاثات الكربون عبر سلسلة التوريد.
عقارات التجزئة والأغراض الصناعية
كان توجّه قطاعي التجزئة والترفيه بطيئاً في تبني ممارسات الاستدامة، ما يعني وجود حاجة إلى بذل المزيد من الجهود لتحسين كفاءة البناء والأداء والاستخدام التشغيلي. وفي الوقت الحالي، تقل نسبة متاجر التجزئة الحاصلة على شهادات خضراء في الدولة عن 10%.
وتستحوذ أنشطة المستأجرين على 80% من حجم الانبعاثات الكربونية للأصول، ومع ذلك توجد طرق أمام ملاك العقارات لترقية أصولهم، بما في ذلك إدخال الإضاءة الذكية في المناطق المشتركة، وتوظيف عدادات المياه الذكية وأجهزة أو أدوات تنظيم الاستهلاك، وتوفير الألواح الشمسية على الأسطح، والأنظمة الفعالة لإدارة النفايات وإعادة تدويرها.
ويختلف هذا الحال في قطاع التخزين الذي يبرز سريعاً من حيث تبني ممارسات الاستدامة عند مقارنته بأنواع الأصول العقارية الأخرى، لاسيما وأن عمليات بنائها تستغرق وقتاً أقل، وتكون أدنى تعقيداً من حيث التخطيط والتصميم العام. وعلاوة على ذلك، يكون من السهل تجديد هذه الشريحة من العقارات، في حين يمكن ترقية المشاريع الأحدث لجعلها أكثر استدامة.
هل يعتبر التحديث الحل الأنسب لجعل المباني القديمة أكثر استدامة؟
يبدو واضحاً أن منطقتنا بعيدة عن المستويات العالمية نظراً لوجود عدد كبير من الأصول التي لا تزال دون المعايير المطلوبة. ومع أن معدلات التحديث تختلف بين القطاعات، يتمتع القطاعان التجاري والسكني بأعلى مستوى من التأثير والمشاركة الشخصية، كما يجذبان أكبر قدر من الاهتمام، ومع ذلك فإنهما يواجهان أيضاً تحديات مماثلة.
وتضيف مارتنديل في هذا الشأن: “تشتمل العوائق التي تحول دون إجراء التعديلات التحديثية على قلة عدد الفنيين المهرة، ونقص المواد، يضاف إلى ذلك الأطر السياسية الغير فعالة، وقلة خطط الحوافز، والتكلفة المالية الباهظة لتحسين أداء المباني، وهو العقبة الأبرز. وفي بعض الأحيان، تظهر مصاعب في عملية إعادة تأهيل بعض المباني لأسباب بسيطة، مثل الهندسة المعمارية أو تراث الأصول”.
ومع ذلك، فإن الجوانب المالية للعقارات الصديقة للبيئة أو العمل لإكسابها هذه الصفة، يمكن أن توفر حافزاً قوياً، بغض النظر عن الشريحة التي تنتمي إليها ضمن القطاع العقاري، سواء كانت سكنية أو مكتبية أو للاستخدامات الصناعية والتجزئة.