العُلا السعودية تتوَّج أفضل وجهة حسب منظمة السياحة العالمية
وضعت منظمة السياحة العالمية مدينة العُلا السعودية أكثر مدينة تجتذب السياحة وعدّتها مكاناً للتراث الطبيعي والإنساني الاستثنائي الذي يعود تاريخه إلى آلاف السنين، كما أدرجت مدينة رجال ألمع في منطقة عسير، غرب مدينة أبها، جنوب المملكة العربية السعودية، بين أبرز القرى والمدن المميزة من حيث التراث والمباني والحصون القديمة.
وفي حوار خاص مع ساندرا كارفاو، رئيسة قطاع القدرات التنافسية في منظمة السياحة العالمية، أوضحت أن مدينة العُلا أصبحت أهم الوجهات السياحية في السعودية التي تحيط بها الجبال الشاهقة وتضم أكثر من 900 مبنى ومدرسة لتعليم صناعة الفخار والمجوهرات والحرف اليدوية التقليدية، وأوضحت أن السبب وراء تصدر مدينة العُلا قائمة أبرز المدن السياحية المتنافسة لعام 2024 هو تطبيق نظام ري صديق للبيئة، وتحسين جودة المحاصيل.
وأشادت ساندرا بما تنفذه الهيئة الملكية لمحافظة العُلا من مبادرات لجذب وتنمية الشركات الصغيرة والمتوسطة وتطوير السوق التي تمر عبر البلدة القديمة، وبرامج للمرشدين السياحيين يوظف أكثر من 80 شخصاً من السكان المحليين الذين يعملون حماةً للتراث السعودي والأصول الطبيعية في العُلا.
وكشفت ساندرا عن المبادرة الأممية التي انطلقت قبل ثلاث سنوات للترويج للقرى المميزة في الحفاظ على الثقافات وحماية التنوع البيولوجي وتمكين المجتمعات المحلية، وأسباب اختيار 54 قرية من إجمالي 260، دخلت السباق لتنضم إلى قائمة منظمة السياحة العالمية (UNWTO) لأفضل القرى السياحية لعام 2023، كما أعلنت فتح باب التقدم للانضمام إلى قائمة أفضل القرى السياحية لعام 2024.
في بداية الحوار سألت ساندرا كارفاو عن كيفية بدء المبادرة وأهدافها، فأجابت: «بدأنا هذه المبادرة في عام 2021 وهي تدور حول القرى التي تَستخدم السياحة وسيلة للتنمية، وقمنا بالتقييم على أساس تسعة مجالات تتعلق بالموارد الثقافية والطبيعة، وكيفية إدارة تلك المواد، ودمج اقتصاد القرية بالسياحة والترويج للزراعة والفنون الإبداعية والحرف اليدوية ومشاركة المرأة والشباب، والحوكمة والبنية التحتية والاستدامة البيئية والاقتصادية والاجتماعية إضافةً إلى رؤية المسؤولين في أن تكون السياحة هي إحدى الركائز الاقتصادية للتنمية في القرية.
وأضافت كارفاو: «بوصفنا وكالة تابعة للأمم المتحدة، لدينا اهتمام بدعم مبادرات التنمية وخفض الهجرة من الريف للمدن، وحماية الأنشطة الثقافية والتقليدية في المناطق الريفية من الاندثار، فهناك 80 في المائة من أفقر السكان يعيشون في المناطق الريفية».
من ناحية أخرى، ترى كارفاو أن هناك اهتماماً سياحياً متزايداً بالخروج من المدن التقليدية، وتجربة أنواع مختلفة من أنماط الحياة، ولذا هناك مجال واسع لجلب السياحة إلى القرى والحفاظ على التراث الشعبي، فالدعاية التقليدية تروّج دائماً للعاصمة، مثل الترويج لباريس في فرنسا، أو إسطنبول في تركيا والآن يتم السعي لجذب السياحة إلى القرى الصغيرة حول العالم، مع محاولة وضع رؤية تساعد القرى على جذب مسافرين جدد وتمكين وزارات السياحة من الترويج لهذه القرى ووضع بدائل للسياحة، ودور المنظمة هو مساعدتهم في الوصول إلى السوق السياحية والتعاون مع شركات سياحية في كندا وأوروبا والولايات المتحدة لإدراج هذه القرى في برامجها السياحية.
هذا ويقيّم مجلس استشاري مستقل الترشيحات حول هذه القرى بناءً على مجالات عدة وحسب التقييم والأداء يجري اختيار القرى التي حصلت على أعلى الدرجات بوصفها أفضل القرى السياحية من منظمة التجارة العالمية التابعة للأمم المتحدة، والترتيب مهم، لكنّ ربط هذه القرى بعضها ببعض لبناء شبكة عالمية والمساعدة في تعزيز القدرات وتبادل الخبرات فيما بين القرى. وخلال السنوات القليلة الماضية أصبح لدى المنظمة 190 قرية من جميع أنحاء العالم في الشبكة الريفية السياحية.
وعن سؤال أفضل القرى السياحية في عام 2023 بمنطقة الشرق الأوسط، أجابت كارفاو: «اختيرت 54 قرية في قائمة أفضل القرى السياحية لعام 2023 من بين 260 قرية من جميع أنحاء العالم، واختيرت في منطقة الشرق الأوسط قرية السلا في الأردن، ودوما في لبنان، وقريتا دهشور وسيوة في مصر. وقد فتحنا باب تقديم الطلبات لأفضل القرى السياحية لهذا العام من الآن حتى شهر أبريل (نيسان) 2024، ولدينا قرى جديدة مؤهلة بقوة للانضمام إلى القائمة الجديدة، منها مدينة العُلا السعودية، ومدينة أوناغا في المغرب، وسانت كاترين في مصر، وننتظر تقدم مزيد من القرى من المنطقة».
وقد فازت قرية «رجال ألمع» التراثية من المملكة العربية السعودية في قائمة 2021، وهي مدينة تراثية يعود تاريخها إلى أكثر من ألف عام بوصفها نقطة اتصال مهمة للتجار المارين بمكة والمدينة المنورة وطرق التجارة والحج الرئيسية من شمال المملكة إلى جنوبها، ولديها ميزة تراثية خاصة في تصميم وهندسة مبانيها، ويوجد بها عدد من الحصون القديمة والمباني الحجرية، وتشتهر بأزياء «الفوتا» التراثية المميزة التي يرتديها الرجال.
وعن عملية الترشيح تقول ساندرا: «الترشيح يكون عادةً من خلال وزارات السياحة في الدولة العضو في منظمة التجارة العالمية التابعة للأمم المتحدة، إذ تجري تعبئة طلب عبر الإنترنت وتقديم المعلومات، وتنظم الدول مسابقات وتختار القرى التي تملك برأيها أعلى الإمكانات وفقاً لمعايير المنظمة، ويمكن لكل الدول تقديم ثماني قرى، مع ترشيح الأنشطة التي تقوم بها، ثم تُقيَّم هذه المعلومات، ونصيحتي هي أن تكون المعلومات محددة لأننا نسأل: هل أنتم ملتزمون بتمكين المرأة؟ ونجد الجواب: نعم وعندما نبحث في التفاصيل على المجالات والأنشطة والبرامج أحيانا لا نجد معلومات دقيقة».
وتضيف: «لا بد من خطط لتطوير قطاع السياحة وكيفية تكامله وخطط لتحسين البنى التحتية ووسائل النقل للسياح وتدريب المرشدين المحليين. وبالتالي يمكن للسياحة أن تكون أداة قوية لتحقيق الشمولية وتمكين المجتمعات المحلية وتمكين المرأة وإعطاء فرص لإنشاء أعمال تجارية وتوفير المهارات، ولدينا إحصاءات أن النساء يشكلن أكثر من 50 في المائة في قطاع السياحة في جميع أنحاء العالم مما يعني أن إعطاءهم الأدوات المناسبة والتمويل والتدريب سيصبّ في مصلحة التنمية السياحية وإعطاء فرص أمام النساء الريفيات للنمو وتحقيق المكاسب».
وتقوم المنظمة بالكثير من الأنشطة، وتنظم رحلات لترويج وتسويق هذه القرى، وتدعوهم أيضاً إلى مؤتمرات حول السياحة، وتوفر المشورة في مشاركة تجاربهم، وفي توفير التدريب في التسويق وكيفية الوصول إلى الأسواق العالمية، وتوفير فرص التعاون، فمثلاً تتعاون قرية من سويسرا في مشاركة خبراتها مع قرية من مصر، وتشارك قرية من بيرو مع أخرى في رواندا. وستنطلق منصة رقمية جديدة يمكن من خلالها مشاركة المعلومات بين كل القرى السياحية ونشر الوعي والتواصل بعضهم مع بعض.
أقرأ ايضا : منظمة السياحة العالمية تطلق برنامج عمل سان مارينو لتيسير الوصول إلى السياحة الميسرة للجميع
وفي ظل المنافسة العالية لجذب السياحة بوصفها تدرّ العملة الأجنبية الآن يُنظر إلى منطقة الشرق الأوسط على أنها منطقة تشهد حروباً وترتفع فيها المخاطر، وعن هذا تردّ ساندرا بالقول: «الجانب الإيجابي أن منطقة الشرق الأوسط كانت المنطقة الوحيدة في العالم التي ارتفع فيها مستوى السياحة الدولية مقارنةً بما كانت عليه قبل كورونا، وزاد عدد السياح الدوليين القادمين إلى الشرق الأوسط بنسبة 20 في المائة ما بين يناير (كانون الثاني) وسبتمبر (أيلول) 2023 أي أكثر مما كان عليه قبل تفشي الفيروس، لذا من الواضح أن هناك اهتماماً، وهناك دول مهمة في المنطقة تقوم بالكثير من المبادرات مثل قطر والمملكة العربية السعودية، ولدينا اهتمام بالمملكة العربية السعودية لأنها سوق سياحية ناشئة وتنمو بشكل مذهل»
وفي النهاية ختمت ساندرا كلامها بالقول: «أتمنى تحقيق أشياء كثيرة، من بينها إنشاء برامج لزيادة الوعي بين صناع السياسات لدعم المناطق الريفية التي تحتاج إلى الدعم في تنمية السياحة وقد رأينا تحديات كثيرة يواجهونها في تطوير الطرق والنقل والتدريب والتمويل، ونحن كمنظمة ملتزمون جداً بالترويج للمناطق الريفية في منطقة الشرق الأوسط والعالم، ونشعر بأن هناك إمكانات كبيرة في تلك المناطق الريفية للاستفادة منها سياحياً».