متحف الفن الإسلامي في قطر : رحلة عبر التاريخ الإسلامي
المتحف ملتقى حضارات ثلاثة قارات عبر 1400 عام
الدوحة: محمد حلمي الحساني
كانت زيارتي الأولى إلى الدوحة في قطر محطة فارقة في ذاكرتي؛ إذ لمستُ منذ لحظة الوصول رقيًّا كبيرًا في التعامل، وتقدّمًا عمرانيًا هائلًا ينعكس في كل زاوية من المدينة.
وبين مباني الحي الحديث وعبق الحي القديم، شدّ انتباهي بناء شامخ يقف وسط جزيرة تطل على الخليج العربي، وكأنه يستقبل زوار قطر بترحاب خاص ودعوة مفتوحة إلى التاريخ. ذلك المبنى لم يكن سوى متحف الفن الإسلامي، واحد من أهم الصروح الثقافية في المنطقة، ونافذة واسعة تطل على 1400 عام من الفن والحضارة الإسلامية الممتدة عبر ثلاث قارات.
فخامة المكان
عندما اقتربت من المتحف، شعرت كأنني أمام لوحة معمارية تتحدث بصمت. فالمبنى كبير وفخم، لكنه بسيط في خطوطه، شامخ دون مبالغة، يجمع بين القوة والسكينة في آن واحد.
وقد علمت لاحقًا أن تصميمه مستوحى من السبيل أو نافورة الوضوء في مسجد أحمد بن طولون بالقاهرة، مما يفسر ذلك الانسجام بين الأصالة والحداثة.
المهندس العالمي “آي إم باي” صمّم المبنى بدقة لافتة، محافظًا على الروح الإسلامية عبر القناطر والقباب والزخارف الهندسية، مع إضافة لمسات معاصرة تمنحه هوية فريدة.
حاضر يجمع تاريخ يمتد 1400 عام
دخلت إلى البهو الرئيسي للمتحف، فشعرت وكأن الزمن يتوقف. الهدوء، والإنارة المدروسة، والمساحات الواسعة كلها تهيئ الزائر لرحلة ثقافية عميقة.
يتكوّن المتحف من أربعة طوابق، بينها ثلاثة طوابق للمعروضات، تضم 18 قاعة تُحاكي مسار الحضارة الإسلامية منذ بداياتها وحتى العصور العثمانية والهندية والإيرانية.
طوابق ثلاثة
طابق اول كأن يؤرخ لانتشار الإسلام من الجزيرة العربية، يتلقفها طابق ثاني في تتابع لانتشار الإسلام واثار طيبة وعزيزة على كل مسلم، يستظل بطابق ثالث يحمل التسامح مع ماضي الحضارات الإسلامية التي تكونت من خلال الثلاث قارات ، بآثار وهيبة وصف تتجلى في موروثات نادرة ، قلما تجد مثلها تتعجب كيف وصلت الى هذا المكان،،، يأخذك الأثر في جماله الى سلام مع كل الحضارات الإسلامية التي تعاقبت في الثلاث قارات.
متحف مُجَدَّد لجيل جديد
علمت أن المتحف خضع لعملية تجديد شاملة قبيل كأس العالم 2022م، وظهر للزوار بحلّة متجددة تجمع التقنية الحديثة مع العرض المتحفي المتطوّر، مما جعل جولتي أكثر عمقًا ومتعة.
المكتبة التراثية… كنز من المعرفة
قبل مغادرتي، مررت بالمكتبة التراثية التي تضم ألاف الكتب، بينها 2000 نسخة نادرة بالعربية والإنجليزية، تغطي فنون العالم الإسلامي وتاريخه وأعمق تفاصيل حضارته. شعرت أن المكان لا يكتفي بعرض التاريخ، بل يقدّم أيضًا أدوات لفهمه ودراسته.
خرجت من متحف الفن الإسلامي ولدي شعور بأنني لم أزر متحفًا فحسب، بل زرت قارات ثلاثًا من خلال رحلة واحدة. كان المبنى بحد ذاته رسالة سلام وجسرًا بين الحضارات، ومحتواه نافذة تُطلّ على إنجازات إنسانية عظيمة.
كانت زيارتي الأولى للدوحة بداية لعلاقة خاصة مع المكان؛ فقد ترك المتحف في نفسي أثرًا عميقًا، وجعلني أرى الفن الإسلامي بمنظور جديد يقدّر جماله وتنوّعه وعمقه التاريخي.
إنه بحق صرح ثقافي يرحب بزوار قطر ويقدم لهم تجربة لا تُنسى






